سورة الحج - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)}
تعظيم الشعائر- وهي الهدايا، لأنها من معالم الحجّ-: أن يختارها عظام الأجرام حساناً سماتاً غالية الأثمان، ويترك المكاس في شرائها، فقدكانوا يغالون في ثلاث- ويكرهون المكاس فيهنّ-: الهدي، والأضحية، والرقبة. وروى ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما: أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلثمائة دينار، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثمنها بدناً، فنهاهُ عنْ ذَلك وقالَ: «بلْ أَهدِها»
وأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة، فيها جمل لأبي جهل في أنفه برّة من ذهب. وكان ابن عمر يسوق البدن مجللة بالقباطي فيتصدّق بلحومها وبجلالها، ويعتقد أن طاعة الله في التقرّب بها وإهدائها إلى بيته المعظم أمر عظيم لابد أن يقام به ويسارع فيه {فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب} أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب، فحدفت هذه المضافات، ولا يستقيم المعنى إلاّ بتقديرها، لأنه لابد من راجع من الجزاء إلى {مِن} ليرتبط به، وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت ظهر أثرها في سائر الأعضاء. {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى أن تنحر ويتصدّق بلحومها ويؤكل منها. و{ثُمَّ} للتراخي في الوقت. فاستعيرت للتراخي في الأحوال. والمعنى: أن لكم في الهدايا منافع كثيرة في دنياكم ودينكم، وإنما يعتدّ الله بالمنافع الدينية، قال سبحانه: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا والله يُرِيدُ الأخرة} [الأنفال: 67] وأعظم هذه المنافع وأبعدها شوطاً في النفع: {محلها إلى البيت} أي وجوب نحرها. أو وقت وجوب نحرها في الحرم منتهية إلى البيت، كقوله: {هَدْياً بالغ الكعبة} [المائدة: 95] والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت؛ لأن الحرم هو حريم البيت. ومثل هذا في الاتساع قولك: بلغنا البلد، وإنما شارفتموه واتصل مسيركم بحدوده. وقيل: المراد بالشعائر: المناسك كلها، و{مَحِلُّهَا إلى البيت العتيق} يأباه.


{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35)}
شرع الله لكل أمّة أن ينسكوا له: أي يذبحوا لوجهه على وجه التقرّب، وجعل العلة في ذلك أن يذكر اسمه تقدست أسماؤه على النسائك: قرئ {مَنسَكًا} بفتح السين وكسرها، وهو مصدر بمعنى النسك، والمكسور يكون بمعنى الموضع {فَلَهُ أَسْلِمُواْ} أي أخلصوا له الذكر خاصة، واجعلوه لوجهه سالماً، أي: خالصاً لا تشوبوه بإشراك.
[(وبشر المخبتين)] المخبتون: المتواضعون الخاشعون، من الخبث وهو المطمئن من الأرض. وقيل: هم الذين لا يظلمون، وإذا ظلموا لم ينتصروا.
وقرأ الحسن: (والمقيمي الصلاة) بالنصب على تقدير النون.
وقرأ ابن مسعود: {والمقيمين الصلاة} على الأصل.


{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)}
{والبدن} جمع بدنة، سميت لعظم بدنها وهي الإبل خاصة، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحقَ البقرَ بالإبلِ حين قال: «البدنةُ عن سبعةٍ، والبقرةُ عنْ سبعةٍ»؛ فجعل البقر في حكم الإبل، صارت البدنة في الشريعة متناولة للجنسين عند أبي حنيفة وأصحابه، وإلا فالبدن هي الإبل وعليه تدل الآية، وقرأ الحسن: {والبدن}، بضمتين، كثمر في جمع ثمرة. وابن أبي إسحاق بالضمتين وتشديد النون على لفظ الوقف. وقرئ بالنصب والرفع كقوله: {والقمر قدرناه} [يس: 39]. {مِن شَعَائِرِ الله} أي من أعلام الشريعة التي شرعها الله. وإضافتها إلى اسمه: تعظيم لها {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} كقوله: {لَكُمْ فِيهَا منافع} ومن شأن الحاج أن يحرص على شيء فيه خير ومنافع بشهادة الله تعالى. عن بعض السلف أنه لم يملك إلاّ تسعة دنانير، فاشترى بها بدنة، فقيل له في ذلك، فقال: إني سمعت ربي يقول: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} وعن ابن عباس: دنيا وآخرة.
وعن إبراهيم: من احتاج إلى ظهرها ركب، ومن احتاج إلى لبنها شرب. وذكر اسم الله: أن يقول عند النحر: الله أكبر لا إله إلاّ الله والله أكبر، اللَّهم منك وإليك {صَوَافَّ} قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهنّ. وقرئ: {صوافن} من صفون الفرس، وهو أن يقوم على ثلاث وينصب الرابعة على طرف سنبكه؛ لأن البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث. وقرئ: {صوافي} أي: خوالص لوجه الله.
وعن عمرو بن عبيد: صوافنا، بالتنوين عوضاً من حرف الإطلاق عند الوقف.
وعن بعضهم: صواف نحو مثل العرب. أعط القوس باريها، بسكون الياء.
(فإذا وجبت جنوبها) وجوب الجنوب: وقوعها على الأرض، ومن وجب الحائط وجبة إذا سقط. ووجبت الشمس جبة: غربت. والمعنى: فإذا وجبت جنوبها وسكنت نسائسها حلّ لكم الأكل منها والإطعام {القانع} السائل، من قنعت إليه وكنعت: إذا خضعت له وسألته قنوعاً {والمعتر} المعترض بغير سؤال، أو القانع الراضي بما عنده وبما يعطى من غير سؤال، من قنعت قنعاً وقناعة. والمعتر: المعترض بسؤال.
وقرأ الحسن: والمعتري. وعرّه وعراه واعتراه واعتره: بمعنى.
وقرأ أبو رجاء: القنع، وهو الراضي لا غير. يقال: قنع فهو قنع وقانع.
[(كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون)] من الله على عبادة واستحمد إليهم بأن سخر لهم البدن مثل التسخير الذي رأوا وعلموا، ويأخذونها منقادة للأخذ طيعة فيعقلونها ويحبسونها صافة قوائمها، ثم يطعنون في لبانها. ولولا تسخير الله لم تطق، ولم تكن بأعجز من بعض الوحوش التي هي أصغر منها جرماً وأقلّ قوّة، وكفى بما يتأبد من الإبل شاهداً وعبرة.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10